responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 237
هِيَ دَلَائِلُ إِخْلَاصِ الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ فِي حَالِ الْغَيْبَةِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ وَحَالِ خُوَيِّصَةِ النَّفْسِ أَدَلُّ عَلَى الْيَقِينِ وَالْإِخْلَاصِ حِينَ يَنْتَفِي الْخَوْفُ وَالطَّمَعُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَا غَابَ. أَوْ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِمَا لَا يَصِلُ إِلَيْهِ الْحِسُّ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى قُوَّةِ الْيَقِينِ حَتَّى إِنَّه يتبقى مِنَ الشَّارِعِ مَا لَا قِبَلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ وَشَأْنُ النُّفُوسِ أَنْ تَنْبُوَ عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ لِأَنَّهَا تَمِيلُ إِلَى الْمَحْسُوسِ فَالْإِيمَانُ بِهِ عَلَى عِلَّاتِهِ دَلِيل قُوَّة الْيَقِين بِالْمُخْبِرِ وَهُوَ الرَّسُولُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْغَيْبِ مَا قَابَلَ الشَّهَادَةَ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ كُلْفَةٌ بَدَنِيَّةٌ فِي أَوْقَاتٍ لَا يَتَذَكَّرُهَا مُقِيمُهَا أَيْ مُحْسِنُ أَدَائِهَا إِلَّا الَّذِي امْتَلَأَ قَلْبُهُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الْخُضُوعِ وَإِظْهَارِ الْعُبُودِيَّةِ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ أَدَاءُ الْمَالِ وَقَدْ عُلِمَ شُحُّ النُّفُوسِ قَالَ تَعَالَى: وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً [المعارج: 21] وَلِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ الشِّرْكِ كَانُوا مَحْرُومِينَ مِنْهَا فِي حَالِ الشِّرْكِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ لِذِكْرِهَا تَذْكِيرٌ بِنِعْمَة الْإِسْلَام.
[4]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 4]
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
عَطَفَ عَلَى الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [الْبَقَرَة: 3] طَائِفَةً ثَانِيَةً عَلَى الطَّائِفَةِ الْأَوْلَى الْمَعْنِيَّةِ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَهُمَا مَعًا قِسْمَانِ لِلْمُتَّقِينَ، فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَ أَنَّ الْقُرْآنَ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ آمَنُوا بَعْدَ الشِّرْكِ وَهُمُ الْعَرَبُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ وَوَصَفَهُمْ بِالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ حِينَ كَانُوا مُشْرِكِينَ، ذَكَرَ فَرِيقًا آخَرَ مِنَ الْمُتَّقِينَ وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ مِنَ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ قَبْلَ بَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ، وَهَؤُلَاء هم مؤمنو أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ الْيَهُودُ الَّذِينَ كَانُوا كَثِيرِينَ فِي الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا فِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَخَيْبَرَ مِثْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامَ، وَبَعْضِ النَّصَارَى مِثْلَ صُهَيْبٍ الرُّومِيِّ وَدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَهُمْ وَإِنْ شَارَكُوا مُسْلِمِي الْعَرَبِ فِي الِاهْتِدَاءِ بِالْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ وَإِقَامَةِ
الصَّلَاةِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ صِفَاتِهِمْ قَبْلَ مَجِيءِ الْإِسْلَامِ فَذَكَرْتُ لَهُمْ خَصْلَةً أُخْرَى زَائِدَةً عَلَى مَا وُصِفَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ الْأَوَّلُونَ، فَالْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ هُنَا بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَلَمَّا كَانَ قَصْدُ تَخْصِيصِهِمْ بِالذِّكْرِ يَسْتَلْزِمُ عَطْفَهُمْ وَكَانَ الْعَطْفُ بِدُونِ تَنْبِيهٍ عَلَى أَنَّهُمْ فَرِيقٌ آخَرُ يُوهِمُ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَهْدِي إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ لِأَنَّ هَذِهِ خَاتِمَةُ الصِّفَاتِ فَهِيَ مُرَادَةٌ فَيُظَنُّ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا عَنْ شِرْكٍ لَا حَظَّ لَهُمْ مِنْ هَذَا الثَّنَاءِ، وَكَيْفَ وَفِيهِمْ مِنْ خِيرَةِ الْمُؤْمِنِينَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 237
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست